فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (86):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
{أُولَئِكَ الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة} آثروا الحياة الدنيا على الآخرة. {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} بنقض الجزية في الدنيا، والتعذيب في الآخرة. {وَلاَهُمْ يُنصَرُونَ} بدفعهما عنهم.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} أي التوراة {وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل} أي: أرسلنا على أثره الرسل، كقوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}. يقال قفاه إذا تبعه، وقفاه به إذا أتبعه إياه من القفا، نحو ذنبه من الذنب {وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، والإِخبار بالمغيبات. أو الإنجيل، وعيسى بالعبرية أبشوع. ومريم بمعنى الخادم، وهو بالعربية من النساء كالزير من الرجال، قال رؤبة: قُلْتُ لِزِيْرٍ لَمْ تَصُلْهُ مَرْيمه. ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل {وأيدناه} وقويناه، وقرئ: {آيدناه} بالمد {بِرُوحِ القدس} بالروح المقدسة كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق، وأراد به جبريل. وقيل: روح عيسى عليه الصلاة والسلام، ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان، أو لكرامته على الله سبحانه وتعالى ولذلك أضافه إلى نفسه تعالى، أو لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث، أو الإنجيل، أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى، وقرأ ابن كثير {القدس} بالإسكان في جميع القرآن {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم} بما لا تحبه. يقال هَوِيَ بالكسر هَوىً إذا أحب هُوياً بالفتح هَوىً بالضم إذا سقط. ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخاً لهم على تعقيبهم ذاك بهذا وتعجيباً من شأنهم، ويحتمل أن يكون استئنافاً والفاء للعطف على مقدر، {استكبرتم} عن الإيمان واتباع الرسل. {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ} كموسى وعيسى عليهما السلام، والفاء للسببية أو للتفصيل {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} كزكريا ويحيى عليهما السلام، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها في النفوس، فإن الأمر فظيع. أو مراعاة للفواصل، أو للدلالة على أنكم بعد فيه فإنكم تحومون حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم، لولا أني أعصمه منكم، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} مغشاة بأغطية خلقية لا يصل إليها ما جئت به ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن وقيل: أصله غلف جمع غلاف فخفف، والمعنى أنها أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعته، ولا تعي ما تقول. أو نحن مستغنون بما فيها عن غيره. {بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ} رد لما قالوه، والمعنى أنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، ولكن الله خذلهم بكفرهم فأبطل استعدادهم، أو أنها لم تأب قبول ما تقوله لخلل فيه، بل لأن الله تعالى خذلهم بكفرهم كما قال تعالى: {فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم}، أو هم كفرة ملعونون، فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عنك؟ {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} فإيماناً قليلاً يؤمنون، وما مزيده للمبالغة في التقليل، وهو إيمانهم ببعض الكتاب. وقيل: أراد بالقلة العدم.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كتاب مّنْ عِندِ الله} يعنى القرآن {مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} من كتابهم، وقرئ بالنصب على الحال من كتاب لتخصصه بالوصف، وجواب لما، محذوف دل عليه جواب لما الثانية. {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} أي يستنصرون على المشركين ويقولون: اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت، في التوراة. أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبياً يبعث منهم، وقد قرب زمانه، والسين للمبالغة والإشعار أن الفاعل يسأل ذلك عن نفسه {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ} من الحق. {كَفَرُواْ بِهِ} حسداً وخوفاً على الرياسة. {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} أي عليهم، وأتى بالمظهر للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم، فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس ويدخلون فيه دخولاً أولياً لأن الكلام فيهم.

.تفسير الآية رقم (90):

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
{بِئْسَ ماشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ} ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن، واشتروا صفته ومعناه باعوا، أو اشتروا بحسب ظنهم، فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا. {أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله} هو المخصوص بالذم {بَغِيّاً} طلباً لما ليس لهم وحسداً، وهو علة {أَن يَكْفُرُواْ} دون {اشتروا} للفصل. {أَن يُنَزّلُ الله} لأن ينزل، أي حسدوه على أن ينزل الله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب بالتخفيف. {مِن فَضْلِهِ} يعني الوحي. {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} على من اختاره للرسالة {فَبَاؤوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} للكفر والحسد على من هو أفضل الخلق. وقيل: لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد عيسى عليه السلام، أو بعد قولهم عزير ابنُ الله {وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} يراد به إذلالهم، بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} يعم الكتب المنزلة بأسرها. {قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} أي بالتوراة {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ} حال من الضمير في قالوا، ووراء في الأصل جعل ظرفاً، ويضاف إلى الفاعل فيراد به ما يتوارى به وهو خلفه، وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو قدامه، ولذلك عد من الأضداد. {وَهُوَ الحق} الضمير لما وراءه، والمراد به القرآن {مُصَدّقًا لّمَا مَعَهُمْ} حال مؤكدة تتضمن رد مقالهم، فإنهم لما كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء الله مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} اعتراض عليهم بقتل الأنبياء مع إدعاء الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغه، وإنما أسنده إليهم لأنه فعل آبائهم، وأنهم راضون به عازمون عليه. وقرأ نافع وحده أن {أنباء الله} مهموزاً في جميع القرآن.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
{وَلَقَدْ جَاءكُم موسى بالبينات} يعني الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} {ثُمَّ اتخذتم العجل} أي إلَهاً {مِن بَعْدِهِ} من بعد مجيء موسى، أو ذهابه إلى الطور {وَأَنتُمْ ظالمون} حال، بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته، أو بالإخلال بآيات الله تعالى، أو اعتراض بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم. ومساق الآية أيضاً لإبطال قولهم {نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} والتنبيه على أن طريقتهم مع الرسول طريقة أسلافهم مع موسى عليهما الصلاة والسلام، لا لتكرير القصة وكذا ما بعده.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
{وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واسمعوا} أي قلنا لهم: خذوا ما أمرتم به في التوراة بجد واسمعوا سماع طاعة. {قَالُواْ سَمِعْنَا} قولك {وَعَصَيْنَا} أمرك {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته، لفرط شغفهم به، كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن. وفي قلوبهم: بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} {بِكُفْرِهِمْ} بسبب كفرهم وذلك لأنهم كانوا مجسمة، أو حلولية ولم يروا جسماً أعجب منه، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمانكم} أي بالتوراة، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الأمر، أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث إلزاماً عليهم {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} تقرير للقدح. في دعواهم الإيمان بالتوراة، وتقديره إن كنتم مؤمنين بها لم يأمركم بهذه القبائح ولا يرخص لكم فيها إيمانكم بها، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئسما يأمركم به إيمانكم بها، لأن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه، لكن الإيمان بها لا يأمر به، فإذاً لستم بمؤمنين.

.تفسير الآية رقم (94):

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً} خاصة بكم كما قلتم: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا} ونصبها على الحال من الدار. {مّن دُونِ الناس} سائرهم، واللام للجنس، أو المسلمين واللام للعهد {فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صادقين} لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها، وأحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب، كما قال عليّ رضي الله تعالى عنه: لا أبالي سقطت على الموت، أو سقط الموت علي، وقال عمار رضي الله تعالى عنه بصفين: الآن ألاقي الأحبة محمداً وحزبه، وقال حذيفة رضي الله عنه حين اختصر: جاء حبيب على فاقة لا أفلح من ندم أي: على التمني، سيما إذا علم أنها سالمة له لا يشاركه فيها غيره.

.تفسير الآية رقم (95):

{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
{وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من موجبات النار، كالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن، وتحريف التوراة. ولما كانت اليد العاملة مختصة بالإنسان، آلة لقدرته بها عامة صنائعه ومنها أكثر منافعه، عبر بها عن النفس تارة والقدرة أخرى، وهذه الجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر، لأنهم لو تمنوا لنقل واشتهر، فإن التمني ليس من عمل القلب ليخفى، بل هو أن يقول: ليت لي كذا، ولو كان بالقلب لقالوا: تمنينا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه، وما بقي على وجه الأرض يهودي» {والله عَلِيمٌ بالظالمين} تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم، ونفيه عمن هو لهم.

.تفسير الآية رقم (96):

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة} من وجد بعقله الجاري مجرى علم، ومفعولاه هم وأحرص الناس، وتنكير حياة لأنه أريد بها فرد من أفرادها وهي: الحياة المتطاولة، وقرئ باللام. {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} محمول على المعنى وكأنه قال: أحرص من الناس على الحياة ومن الذين أشركوا. وإفراده بالذكر للمبالغة، فإن حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلا الحياة العاجلة، والزيادة في التوبيخ والتقريع، فإنهم لما زاد حرصهم وهم مقرون بالجزاء على حرص المنكرين دل ذلك على علمهم بأنهم صائرون إلى النار، ويجوز أن يراد وأحرص من الذين أشركوا، فحذف أحرص لدلالة الأول عليه، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف صفته {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} على أنه أريد بالذين أشركوا اليهود لأنهم قالوا: {عُزَيْرٌ ابن الله} أي: ومنهم ناس يود أحدهم، وهو على الأولين بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف. {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} حكاية لودادتهم، ولو بمعنى ليت وكان أصله: لو أعمر، فأجرى على الغيبة لقوله: يود، كقولك حلف بالله ليفعلن {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ} الضمير لأحدهم، وأن يعمر فاعل مزحزحه، أي وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره، أو لما دل عليه يعمر. وأن يعمر بدل منه. أو منهم، وأن يعمر موضحه وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات. وقيل سنهة كجبهة لقولهم سانهته وتسنهت النخلة إذا أتت عليها السنون، والزحزحة التبعيد {والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} فيجازيهم.

.تفسير الآية رقم (97):

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ} نزل في عبد الله بن صوريا، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ينزل عليه بالوحي؟ فقال: جبريل، فقال: ذاك عدونا عادانا مراراً، وأشدَّها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر، فبعثنا من يقتله فرآه ببابل فدفع عنه جبريل. وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلطكم عليه وإلا فيم تقتلونه؟. وقيل: دخل عمر رضي الله تعالى عنه مدارس اليهود يوماً، فسألهم عن جبريل فقالوا: ذاك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وإنه صاحب كل خسف وعذاب، وميكائيل صاحب الخصب والسلام، فقال: وما منزلتهما من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وبينهما عداوة، فقال؛ لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدو أحدهما فهو عدو الله. ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد وافقك ربك يا عمر» وفي جبريل ثمان لغات قرئ بهن أربع في: المشهور {جبرئل} كسلسبيل قراءة حمزة والكسائي، و{جبريل} بكسر الراء وحذف الهمزة قراءة ابن كثير، و{جبرئل} كجحمرش قراءة عاصم برواية أبي بكر، و{جبريل} كقنديل قراءة الباقين. وأربع في الشواذ: {جبرائيل} كجبراعيل، و{جبريل} و{جبرين} ومنع صرفه للعجمة، والتعريف، ومعناه عبد الله. {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} البارز الأول لجبريل، والثاني للقرآن، وإضماره غير مذكور يدل على فخامة شأنه كأنه لتعينه وفرط شهرته لم يحتج إلى سبق ذكره. {على قَلْبِكَ} فإنه القابل الأول للوحي، ومحل الفهم والحفظ، وكان حقه على قلبي لكنه جاء على حكاية كلام الله تعالى كأنه قال: قل ما تكلمت به. {بِإِذُنِ الله} بأمره، أو تيسيره حال من فاعله نزله. {مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} أحوال من مفعوله، والظاهر أن جواب الشرط {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ}، والمعنى من عادى منهم جبريل فقد خلع ربقة الإنصاف، أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياه لنزوله عليك بالوحي، لأنه نزل كتاباً مصدقاً للكتب المتقدمة، فحذف الجواب وأقيم علته مقامه، أو من عاداه فالسبب في عداوته أنه نزله عليك. وقيل محذوف مثل: فليمت غيظاً، أو فهو عدو لي وأنا عدو له.
كما قال: